معنون بلا عنوان

من بين  رسائله المبعثرة و التي كبح نفسه بشدة كي لا يُرسلها كانت هذه الرسالة ؛

بعيدًا عن أدب الرسائل وعن قواعدها أكتب لك هذه المرة في هذه الليلة ولا أعلم في أي وقت ستقرئينها ، إن كُنت لا تُمانعين العودة معي إلى الوراء قليلًا ، في زمنٍ خلى من كُل المُنغصات و المآسي الحالية و التي سلبتك أجمل أيامك .

ملاحظة** أرجوك لا تأخذي عني فكرة سيئة و يغلبك الظن بكوني إنسانٌ غرقت روحه في الظُلمة وتشربت السوداوية ، أكتب فقط لأن الكلمات تقفز أمامي بإرادتها التامة .

كُعملة بوجهين كُنا معًا ، نركض هنا و هُناك بكل بهجة و إطمئنان فلا يوجد ما يدعونا للقلق ، بقينا على حالنا فترة من الزمن حتى حدث ما حدث ؛ لأول مرة في حياتي ألاحظ شخصًا آخر غيرك حولي ، ساكنًا في مكانه في إنتظار ملاحظتي له ، بوجهه الخالي من أي شعور من أي بهجة وأي معنى آخر أستطيع وصفة ، انتظرت مغادرتها حتى أستطيع محادثته ، مع اقترابي منه ظهرت علامات الإستياء عليه ،كأنما كُنت شبحًا يترصد به لإلتهام روحه أو أي فعلٍ مشين آخر ،
جلست على ذات المقعد بجانبه بإبتسامة بلهاء تعلو وجهي لتُقابل بإرتفاع حاجبه الأيسر في محاولة إيصال مدى إستيائه من  إبتسامتي ، ومع ذلك مازال وجهي مشدودًا حتى أذني و صف أسناني بأكمله يلتمع خارجًا أمام ناظريه، حتى تخلى عن صمته ونطق أخيرًا ؛ لماذا تبدو في غاية السعادة معها.؟ وتصف لها العالم وكأنه يخلو من الأحزان والآلام .؟
لماذا تغرقها في بحر أوهامك وترجو منها أن تبدي سعادتها على كل شيء آخر وأنت تعلم في قرارة نفسك بأنك لا تحمل ثمن تلك السعادة وهي ثقيله عليك كما هي مستحيله لها ، هل تدرك مدى سذاجة أفكارك.؟
هل تدرك مدى غبائك.؟
.
مع كل كلمة كانت تخرج من فمه تقلص الشد في وجنتي ، وشعرت كما لو أن أحدهم يدحرج حجرًا ضخمًا على قلبي مئات المرات .
.
في ذلك اليوم عرفت ذلك الجانب المغمور في الظلمة من روحي ، والذي كذبت بشأنه في البداية ، كي لا تتوقفي عن قراءة رسائلي ، كي لا تشعري بالخيبة مني  ، كي تعودي إلي .
.

-معنون بلا عنوان

.

العنكبوت الصغير

حُجرتي الصغيرة كانت بإعتباري الشخصي العالم الواسع الذي يحتضِنُني بِشدة ، خالية من أي روح سِواي ، مليئة حتى السقف بالكُتب والمزيد والمزيد من الكتب ، وأقداح القهوة الأنيقة ، والأطباق من حِقب زمنية مختلفة ، و أيضًا أعقاب السجائر ، ياه ياله من زمن بعيد حين كُنت أغادر كُل أسبوع للبقال لِشراء الكثير من عُلب السجائر كي تكفي لعدة أيام ، حتى لا أضطر لِمُواجهه العالم بالخارج ، العالم البَشِع ، منذ سنة مضت أستأجرت شخصًا ما ، طويل القامة وعريض المنكبين ، يرتدي كمامة سوداء وقُفازين باللون الأسود أيضًا ، بحواجب عريضة وكثيفة وأنف طويل ودقيق ، و عينين حادتين حملت إحداهُما خَطًا عريضًا وكأنه شرخٌ غائر ، إمتد من منتصف جِفنه الأيمن وحتى بداية أنفه ، حتى لا تظُنني مُغرمًا بِه من خلال وصفي ، وإن كانت لديك الحِدة الكافية لأجبت نفسك عن تَساؤُلك حول كيفيه إمتلاكي للمال وأنا لا أمتلك عَملًا على حد عِملك ، عملي هو الكِتابة أكتب لأحدهم كي أُرضي جنونه و غروره ، و هو يدفع بالتالي الكثير والكثير لِقاء ما أكتبه ، من هُنا حصلت على الشخص هذا ، وهو فقط يقوم بشراء بعض الحاجيات لي ، مِثل الأوراق والأحبار والشاي والقهوة ، وبعض الأطعمة الجاهزة ، حتى جاء ذلك الصباح كان الوحيد المخلوق الوحيد الذي أعرفه حَقَا ، زارني عنكبوت صغير أسود اللون يمتَلِك بقعة حمراء في منتصف ظهره .
.
.
الجزء الثاني من العنكبوت الصغير …
.
في بداية الأمر قررت تجاهل وجوده عله يسأم و يرحل فلا طاقة لي في البحث عن قاتل الحشرات والذي على أي حال لا أعلم إن كان موجودًا أم لا ، عُدت لتناول وجبة إفطاري والتفكير في القصة القادمة التي سأكتبها ، مرت عدة دقائق و انا مستغرق في التفكير ، إلى أن رفعت عيني وكان المفاجأة العنكبوت الصغير لم يتحرك  من مكانه ولا قيد أنمُلة ، حاولت إزاحته بطرف القلم بدون فائدة حتى أنه قد تعلق بخيطه على القلم ، بعد عدة محاولات لإبعاده بدأت أشعر بالضجر من ذلك ، وضعت القلم جانبًا وحدقت فيه ،  شهقت بفزع إنه يحدق بي أيضًا ..!
.
كلا كلا لاشك في أنني أتوهم ذلك  ، اجل اجل انه مجرد وهم عابر من طيله التحديق به ، والا كيف لذلك المخلوق الصغير أن يترك أشغاله والبحث عن الطعام ليقضي وقته في التحديث بشخص لا فائدة منه مثلي .
.
حملت طبقي وبقايا الخبز عن الطاولة لأرى  العنكبوت يحمل قطعة صغيرة من فتات الخُبز ليختفي في شِق بجانب النافذة  .
ضحكت بشدة : اهه من حماقتي لهذا كان يحدق بي وأنا الذي ظننت أنه مهتم لمُراقبتي ومعرفه ما أفعل ، لقد كان ينتظر لأنتهي من إفطاري وحتى يتسنى له الحصول على قطعة من فتات الخبز .
.
عدت للمكتب وفي يدي كوبٌ من الشاي ، رتبت أوراقي المُبعثرة وأعدت كتابة بعض السطور ،
،
العنكبوت : اهه من هذا الرجل لماذا كان يحدق بي هكذا.؟ خشيت أن لا اتمكن من الحصول على الطعام هذا اليوم ، كم هو غريب هل من المعقول انه لم يلاحظ وجودي على مدار الأيام السابقة .؟
أجل أجل يبدو الأمر معقولًا ، يا للأسف لو كان الأمر كذلك فأنني لن أتمكن من الحصول على الطعام أبدًا ، حتى إنه لن يترك لي فرصة لمُراقبته ، كم كان من الممتع مشاهدة وهو يتحدث مع نفسه و يدور في أرجاء الغرفة .
.
.

ورقة عالقة

افقدتنا برامج * التقاطع الإجتماعي* الشعور بالأمان كالسابق ، لا تعلم من يخاطبك من خلف تلك الشاشة ؛ أتُراه يحبك أم يُكن لك البُغض والحسد ، لا تعلم متى ستسوء جودة الإتصال لتُفقد حبل الوصل بينك وبين صديق يقبع في آخر المعمورة ، لا تعلم كيف تدهورت صحته ، أو كيف كان حاله و هو يتجرع مرارة الألم وحده ، أصبحت تُمضي يومك في تحديث قائمته عل و عسى أن تجد فُتاتًا من الطُمأنينة  فيها ، تنام ثم تستيقظ و الهاتف ملتصق بيدك ، تُمضي أيامك في قلق  و حيرة تكاد تفتك بِك ، و لعل ما حدث كان أبسط مما ظننت  ، عالقًا في دوامه القلق مابين التخلي و الإصرار على الإنتظار ، إنها لعنة المستقبل و التي طالما تمنينا الوصول إليها دون علم بعواقبها الوخيمة ، دون علم بأمر غرقنا جميعًا في سحر جمالها الكاذب ….

ها أنا ذا النادم الراغب في الخلاص و العودة لحياتي السابقة بعيدها عن كُل هذا القلق اللامنتهي.